( ظنونٌ الملائكةِ لــ احمد فتحي رزق في إختياره الدقيق لعنوان المجموعة ” ظنون الملائكة ” بعد غوصهِ في
اعماق طبقاتٍ عديدة من طبقاتِ المجتمع وإنتزاعه بعد إنتقاءٍ نماذج تسبحُ في وحلِ الفسادِ والتردي الذي احيانا يصلُ لحدِ التُقزز منهُ ، وهي تعيش و تتكاثر لِتفرز في عشوايةٍ مقيتةٍ ديدانٍ نخرةِ لا تلبثُ ان تنمو وتكبر لِتصبح سرعاناً نماذج شبيهةٍ بهؤلاءِ ، تُفسد كل أملٍ في إصلاحٍ او إجتثاثٍ لهذا الوباءِ الذي تظهرُ فقط بين الحين والأخر ، بعضاً من رؤُسهِ علي السطحِ ولكن ما هو أخبث يبقي دوماً يعيثُ في القعرِ والعمقِ فساداً دون أن تُدركهُ آلياتِ الحصر ومن ثَمْ آلياتِ الحشِ و البترِ . و جاء بظنِ هؤلاءِ في أنفسهم و المعهود – أنهمُ” ملائكة ” ، وأنهم فقط يقتدون بِما فعل آبائهم ، وانهم يُحسنون بهذا الإقتداءِ صُنعاً ؛ وهذا شأن و ظنّ الفَسدةِ والمفسدون دوما في أنفسهم ، و كما صورهم قرآننا الكريم في آياتهِ المُحكماتِ ؛ فاختارهُ الكاتب عنواناً لمجموعتهِ القصصية ، لِيُهيئ القارئ سبيلاً للقراءة والمضي لإلتقاطِ وتجميع ما وراء هذا الحصادِ العائد بهِ من غوصاً غير مُعتادٍ إلي بؤر الفسادِ التي تطالعنا في صورة احداثٍ من تعددها و تكرارِها صارت مألوفةٍ ، فيعيدُ تذكيرنا ، وتذكير الواقفون علي موائد الفحص والتشخيص بل و إعداد قائمة العلاج والمعالجاتِ وآلياتِها من الجهاتِ المعنية المُتخصصة حكومية أو أهلية أو بحثية . يقم لنا كاتبنا القدير مجموعته بهذا الإهداء الموجز والبليغ : ” إهداء إلي صديقى الوفي قلمي الذى أحب و استطاع أن يصور تلك المشاهد بصدق وتلقائية . ” … ربما هي مشاهد بعين الكاتب ، لكن رصدِها و تصويرها ، وإعادة تصديرها لنا بهذه الدقة والإبداع المتمثل في لغةٍ بسيطةٍ ، ومشوقةٍ من خلالِ أعادة التركيب المشهد الذي إلتقطهُ مع الإحتفاظ بِعمقِ المشهدِ والحدثِ دون إفراطٍ أو تفريطٍ وإسهابٍ يُشتتُ القارئ فجاء المشهدِ والصورة بأشخاصه وصورهم ومعتقدات فكرهم وبواعثهم النفسية الداخلية كاملاً ومتكاملاً ، و هذه تُحسبُ لقدراتِ الكاتب الإبداعية . إن تعدد و تباين المشاهدِ والصور ربما يقتضي الوقوفِ امامها طويلاً للبحثِ والدراسةِ ، ذلك ان كاتبنا من وفي حصاد غوصهِ أتي لنا بالثمينِ والجديرِ بالقراءة و إستكناه ما وراء هذه المشاهد والصور التي تمثلُ شريحةً كبيرة و نماذج من طبقاتِ إجتماعية في تعددها نلمسُ لَمسَ اليدِ مواطن الفسادِ او الإنحلال و البواعث الخفية عند الأشخاصِ والكامنة وراء السلوكيات وردودِ الإفعال هذه التي تظهرُ لنا ، والتي في كثيرٍ من الأحيان قد تدفعنا إلي الدهشة ثم إلي التساؤل ، أو السوأل المباشر بــ ( كيف ، ولِم .. الخ) . ولكنهُ بِفطنةِ الأديب والمبدع ، لا يُجيب ، ويترك للقارئ مهمة البحثِ عن الإجابة ، وللجهاتِ المعنية بالفحصِ والدرسِ والتشخيصِ مهمة إيجاد حلول وعلاجات أو آلياتِ علاجٍ لهذه الأعراض التي تطفو علي سطحِ الحالة المجتمعية الحالية . المجموعة كما ذكرت يَجدُ فيها المتلقي متعة القراءة ، ويجدُ فيها المُتخصص مادةً للدراسة .